منذ فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2016، عرفت الأسواق المالية، وخاصة سوق الأسهم أداء متميزا بكل المعايير. مؤشر S&P500 ارتفع بأكثر من 5 % بعد مرور 100 يوم من التنصيب الرسمي لدونالد ترامب، وهو ثالث أحسن أداء للمؤشر بعد الانتخابات الرئاسية منذ الحرب العالمية الثانية، كما أن المؤشر ارتفع بأكثر من 12% منذ إعلان النتائج حتى موعد التنصيب الرسمي، وهذا أيضا يحتل المركز الثالث في أداء المؤشر، خلال الفترة التي تتبع انتخاب الرؤساء في الولايات المتحدة، حيث يأتي بعد كل من الرئيس جون كنيدي الأول متبوعا بالرئيس جورج بوش الأب.
الارتفاعات التي شهدتها الأسواق بعد انتخاب دونالد ترامب كانت بسبب وعوده حول الاقتصاد الأمريكي ويتعلق الأمر هنا خاصة وعدين، الأول هو زيادة الإنفاق على تجديد البنية التحتية في البلاد والثاني وهو موضوع هذا المقال هو القيام بإصلاحات ضريبية من أجل تخفيض الضرائب على الشركات والأفراد على السواء، من أجل دعم الإنتاج المحلي الأمريكي. عملا بمضمون شعاره في الانتخابات ” أمريكا أولا”.
الآن وبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على تسلم ترامب للرئاسة فإن تركيز الأسواق والمستثمرين ينصب حول قدرة الإدارة الجديدة في البيت الأبيض على العمل مع الكونجرس الأمريكي من أجل تجسيد وعوده على أرض الواقع، خاصة فيما يتعلق بقانون الضرائب الجديد المنتظر بشدة لما له من تأثير كبير على أداء الاقتصاد الأمريكي في المستقبل.
من الواضح جدا أن أسعار الأسهم الحالية ارتفعت على سلم مصنوع من الأمل والوعود، ولا شيء غير ذلك، وفي حال وصلنا إلى نهاية العام ولم تطرأ أي مستجدات حقيقية وواضحة في موضوع الضرائب، فإن الكثير من المحللين يتوقعون حدوث انهيار في الأسواق، قد يؤدي إلى مسح كل الأرباح المحققة حتى الآن دفعة واحدة.
على كل حال، فإن موجة الارتفاع في الأسهم الأمريكية لم تكن وليدة انتخاب ترامب، بل بدأت قبل ذلك بفترة طويلة. الذي حدث هو التسارع الكبير في حركة ارتفاع الاسهم الامريكية بعد فوز ترامب كما أشرنا إلى ذلك سابقا.
فبعد الأزمة المالية في 2008، الناتجة عن أزمة الرهون العقارية التي بدأت في عام 2007، طبق الفدرالي الأمريكي سياسة تيسير كمي غير عادية من أجل دعم الاقتصاد الأمريكي الذي يبدأ في الانكماش، وذلك بتخفيض أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية وضخ الكثير من السيولة في النظام المالي عن طريق برنامج شراء السندات.
جزء كبير من هذه الأموال التي ضخها الفدرالي الأمريكي شق طريقه إلى سوق الأسهم وهذا ما دفعها إلى الارتفاع بداية من منتصف 2009 كما هو موضح في الرسم البياني المرفق من شركة ufx.com (يو اف اكس). ثم في عام 2014 بدأت الإجراءات التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تعطي ثمارها في الاقتصاد الحقيقي، الذي أعطى إشارات قوية على التحسن مما شكل دفعة أخرى لسوق الأسهم مع تحسن شهية المخاطر في هكذا ظروف.
إذن، ارتفاعات الأسهم بعد انتخاب ترامب لم تكن سوى تحلية بعد وجبة دسمة أو جائزة بالنسبة للمستثمرين وشركات السمسرة. ما يثير القلق لدى بعض المحللين، هو حجم هذه الارتفاعات التي كانت قوية جدا إلى درجة أن البعض منهم حذر من حدوث “فقاعة ترامب”.
الأمر الثاني هو أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قد بدأ بالتراجع عن سياسة التيسير الكمي والعودة إلى الوضع الطبيعي عن طريق رفع أسعار الفائدة. ونتائج هذا الإجراء قد بدأت بالفعل تظهر في البيانات الاقتصادية، فقد جاءت نتائج الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول من العام الحالي 2017 على انخفاض وبأقل من التوقعات.
أخيرا فإن عملية تمرير القوانين في الكونجرس الأمريكي عادة ما تكون صعبة ومعقدة وطويلة الأمد، ومن الصعب التنبؤ إذا ما كان ترامب سوف يتمكن من تمرير قانون الضرائب كما هو، خاصة بعد فشله في تمرير قانون التأمين الصحي الجديد، لذلك من المتوقع أن تتفاعل بقوة أسواق الأسهم صعودا وهبوطا مع التطورات بين الإدارة الأمريكية والكونجرس حول هذا القانون.